د. راغب السرجاني
المشرف العام على الموقع
طبيب ومفكر إسلامي، وله اهتمام خاص بالتاريخ الإسلامي، رئيس مجلس إدارة مركز الحضارة للدراسات التاريخية بالقاهرة، صاحب فكرة موقع قصة الإسلام والمشرف عليه، صدر له حتى الآن 58 كتابًا في التاريخ والفكر الإسلامي.
ملخص المقال
موقف من المواقف العجيبة في السيرة النبوية وجدنا فيه حمزة بن عبد المطلب، يقوم بالاعتداء على ناقتين لعلي بن أبي طالب دون خطأ من علي رضي الله عنهما.
موقف من المواقف العجيبة في السيرة النبوية وجدنا فيه حمزة بن عبد المطلب، وله من الفضل والعقل ما ليس لغيره، يقوم بالاعتداء على ناقتين لعلي بن أبي طالب ابن أخيه دون خطأ من عليٍّ، أو ذنب فعله! وفي القصة فوائد جمَّة.
عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ[1]بْنُ الحُسَيْنِ، أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ[2]: كَانَتْ لِي شَارِفٌ[3] مِنْ نَصِيبِي مِنَ المَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنَ الخُمُسِ[4]، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ [5]، وَاعَدْتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ، فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي[6]، فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنَ الأَقْتَابِ[7]، وَالغَرَائِرِ، وَالحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ[8] إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَدِ اجْتُبَّ[9] أَسْنِمَتُهُمَا، وَبُقِرَتْ[10] خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ المَنْظَرَ مِنْهُمَا[11]، فَقُلْتُ: مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا البَيْتِ فِي شَرْبٍ[12] مِنَ الأَنْصَارِ[13]، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، فَعَرَفَ النَّبِيُّ فِي وَجْهِي الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ: «مَا لَكَ؟»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ قَطُّ، عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ، فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا، وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ. فَدَعَا النَّبِيُّ بِرِدَائِهِ، فَارْتَدَى، ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ البَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ، فَاسْتَأْذَنَ، فَأَذِنُوا لَهُمْ، فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ، «فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ»، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ، مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ، فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟[14] فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى عَقِبَيْهِ القَهْقَرَى[15]، وَخَرَجْنَا مَعَهُ.
تعليقات:
1- فهمنا بشكل عملي لماذا حرَّم اللهُ تعالى الخمر. هذا ليس تضييقًا على الناس، إنما رحمة بهم، فالسُكْرُ يدفع الإنسان إلى ما لا يرضاه في حال الإفاقة، وقد يكون الإصلاح صعبًا، وحتمًا سيورث الضغينة. قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].
في روايات أخرى دفع رسول الله حمزة إلى تعويض علي بن أبي طالب الثمن. ولكن قد تكون هناك آثار لا تُعَوَّض: كالقتل، أو حادث سيارة.
طلاق: احْتَجَّ البعض بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ السَّكْرَانِ لَا يَقَعُ لأن الرسول لم يؤاخذ حمزة بما قال، ولكن ردَّ القائلون بوقوع طلاق السكران، وهو الجمهور، بأن قصة حمزة كَانَت قبل تَحْرِيم الْخمر، أما الآن فالمسلم أَدْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ السُّكْرَ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ فَعُوقِبَ بِإِمْضَاءِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ.
2- نلحظ سرعة تدخل الرسول في الأمر، وهو كاف بتوقيف الخسارة عند حدٍّ معين
3- هدوء الرسول في التعامل مع الموقف، وتقديره لحالة حمزة ، وعدم إثارته بكلام قد يدفعه لشرٍّ أكبر.
4- ما أعظم شريعة الإسلام التي حرَّمت الخمر.
5- وما أعظم المسلمين الذين استجابوا للمنع فورًا مع تغلغل الخمر في حياتهم إلى هذه الصورة. لم يشهد حمزة تحريم الخمر؛ لأنه استشهد في العام الثالث من الهجرة في غزوة أحد، وكان تحريم الخمر باتِّفاق بعد أحد، وقد يكون متأخرًا عن ذلك أكثر[16].
[1] علي زين العابدين
[2] قصة تتوارثها الأسرة
[3] ناقة مسنَّة
[4] تقسَّم الغنيمة أربعة أخماس للجيش المقاتل والخمس للدولة، ومصارفه وضحتها سورة الأنفال: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]. وقد أعطاه الرسول من سهم ذوي القربى.
[5] كان هذا في شهر شوال سنة 2 هجرية، وورد أنه تزوجها في السنة الأولى، ولكن كان هذا هو العقد، أما البناء فكان بعد بدر، وسُمِّي بناءً لأنهم كانوا يبنون له قبةً أو بيتًا ليتزوَّج فيه، بخلاف العقد الذي يمكن أن يكتب والمرأة لا تزال في بيت أبيها.
[6] الإذخر نبات له رائحة طيبة، تُسَقَّف به البيوت، وتُسَدُّ به فرج القبور، ويستخدم كوقود عند الصاغة، ولهذا سيذهب علي بن أبي طالب مع هذا اليهودي الصائغ ليجمع الإذخر، ويساعده الرجل في بيعه لأصدقائه من الصائغين. وفيه التعايش الطبيعي بين المسلمين وغير المسلمين في أمور التجارة والعمل. ووليمة العرس مهمة، والجمهور على أنها سُنَّة مؤكَّدة، والمالكية تقول بوجوبها.
[7] الأقتاب: جمع قَتَب، وهو الإكاف الذي يوضع على البعير، والغرائر: جمع غِرارة، وهي وعاء ضخم توضع فيه الحشائش والتبن.
[8] بالتأنيث على اعتبار ناقتين
[9] قُطِّعت
[10] شُقَّت
[11] من النوادر التي بكى فيها علي بن أبي طالب على فوات شيء من الدنيا: 1- هو إنسان في المقام الأول، وقد خسر خسارة كبيرة، ولم يكن يملك ثمن الوليمة أصلًا. 2- لِتَصَوُّرِهِ تَأَخُّرَ الِابْتِنَاءِ بِزَوْجَتِهِ بِسَبَبِ فَوَاتِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَيْهِ. 3- لخشيته أن يُنْسَب إلى التقصير، وعدم اهتمام الناس به. 4- تَقْصِيرُهُ أَيْضًا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعجزه عن إتمام الزواج من ابنته.
[12] شَرْب جمع شارِب، وهذا قبل تحريم الخمر
[13] لم يستطع أن يتصرَّف لأن الذي تعدَّى عليه عمُّه، بالإضافة إلى مكانة حمزة في الإسلام. وما الذي دفع حمزة إلى ذلك؟ ورد في رواية أخرى للبخاري: مَعَهُ قَيْنَةٌ، فَقَالَتْ:
أَلاَ يَا حَمْزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ وَهُنَّ مُعَقَّلَاتٌ بِالْفِنَاءِ
ضَعِ السِّكِّينَ فِي اللَّبَّاتِ مِنْهَا وضرجهن حمرَةً بِالدِّمَاءِ
(حمز: ترخيم، والشُّرُف جمع شارف، والنِّواء جمع ناوية وهي الناقة السمينة، واللبَّات جمع لبَّة، وهي موضع النحر من الإبل)
[14] أَرَادَ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ جَدٌّ لِلنَّبِيِّ وَلِعَلِيٍّ أَيْضًا وَالْجَدُّ يُدْعَى سَيِّدًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ حَمْزَةَ أَرَادَ الِافْتِخَارَ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْهُمْ
[15] الْقَهْقَرَى هُوَ الْمَشْيُ إِلَى خَلْفٍ وفَعَلَ ذَلِكَ خَشْيَةَ أَنْ يَزْدَادَ عَبَثُ حَمْزَةَ فِي حَالِ سُكْرِهِ فَيَنْتَقِلُ مِنَ الْقَوْلِ إِلَى الْفِعْلِ فَأَرَادَ أَنْ يرى مَا يَقَعُ مِنْ حَمْزَةَ لِيَدْفَعَهُ إِنْ وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ.
[16] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك