التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
من المشاهد الشائعة التي يستدل بها على معجزات النبي مشهد رد الرسول –صلى الله عليه وسلم- عين قتادة بن النعمان في غزوة بدر، فهل وردت أخبار صحيحة بذلك ؟
من المشاهد الشائعة التي يستدل بها على معجزات النبي –صلى الله عليه وسلم- مشهد رد الرسول –صلى الله عليه وسلم- عين قتادة بن النعمان –رضي الله عنه- في غزوة بدر، فهل وردت أخبار صحيحة بذلك ؟
قال ابن إسحاق-رحمه الله: "وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمى عن قوسه حتى اندقت سِيَتُها (*) فأخذها قتادة بن النعمان فكانت عنده، وأصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان، حتى وقعت على وجنته، فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ردّها بيده فكانت أحسن عينيه وأحدّهما (1)".
وهذا إسناد مرسل. وضعّفه الذهبي (2). وأخرجه الحاكم من طريق الواقدي (3)، وأخرجه البيهقي في (الدلائل) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن أبيه عن قتادة بن النعمان (4). وفي إسناده يحي الحمّاني، قال عنه ابن حجر في (التقريب): "حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث (5)، وعمر بن قتادة مقبول (6)، واختُلف على الحماني فيه، ففي بعضها دون عمر بن قتادة، وأخرجه أيضًا أبو القاسم الأصبهاني في (دلائل النبوة (7)) من طريق عاصم بن عمر بن قتادة مرسلًا.
وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى الطبراني وقال: "وفيه من لم أعرفه". وفي موضع آخر عزاه إلى الطبراني وأبي يعلي، وقال: "وفي إسناد الطبراني من لم أعرفهم، وفي إسناد أبي يعلى يحي بن عبد الحميد الحماني، وهو ضعيف (8)".
ونقل الألباني -رحمه الله- كلام الهيثمي هذا ثم تعقبه بقوله: "لكنه عند أبي نعيم من طريقين آخرين فهو يتقوى بهما (9)".
وفي متن الخبر اختلاف، ففي رواية ابن إسحاق أن ذلك يوم بدر، وفي رواية البيهقي أنها يوم أحد، قال ابن عبد البر: وقيل يوم الخندق (10).
وقد أسهب في تخريج هذا الخبر بما لا مزيد عليه، الشيخ مساعد الراشد الحميد -وفقه الله- في تحقيقه لكتاب: (دلائل النبوة للأصبهاني) وبَيّن ضَعْف الحديث (11).
فائدة
ويغني عن هذا الحديث الضعيف أحاديث عدة في آياته -صلى الله عليه وسلم- في شفاء المرضى والمصابين -بإذن الله- منها: مَسحه -صلى الله عليه وسلم- على رِجْل عبد الله بن عتيك -رضي الله عنه- لمّا انكسرت ساقه في قصة قتل ابن أبي الحقيق اليهودي، وفيه، فقال لي: "ابسط رجلك" فبسطت رجلي فمسحها، فكأنها لم اشتكها قط" رواه البخاري (12).
ومنها ما جرى لعلي -رضي الله عنه- يوم خيبر، وكان يشتكي عينيه "فجئ به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما سأل عنه فبصق في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع". رواه البخاري (13)، ومسلم (14).
ومنها ما جرى لـ سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- حين أُصيبت ركبته يوم خيبر، قال: "فأتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فنفث فيه (أي في موضع الإصابة) ثلاث نفثات، فما اشتكيت حتى الساعة " أخرجه البخاري (15).
فائدة أخرى
أخرج الحاكم في (المستدرك (16)) وعنه البيهقي في (الدلائل (17)) من طريق إبراهيم بن المنذر، قال: أخبرنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدثني رفاعة بن رافع بن مالك قال: "لما كان يوم بدر. . رُميت بسهم، فَفُقئت عيني، فبصق فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعا لي فما آذاني منها شيء" وقال الحاكم بعد إخراجه: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "عبد العزيز (بن عمران) ضعّفوه". اهـ. وعزاه الهيثمي في (المجمع) إلى البزار والطبراني في الكبير والأوسط ثم قال: "وفيه عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف (18) . والقول بأن عبد العزيز ضعيف فيه تساهل، فالأئمة معظمهم على تركه (19)، ولذا قال الحافظ في (التقريب) متروك (20).
والعجيب أن الحافظ ابن كثير -رحمه الله- أورد هذا الحديث في تاريخه عن البيهقي ثم قال: "وهذا غريب من هذا الوجه، وإسناده جيد، ولم يخرجوه (21) وتعقّبه الأرناؤوط في حاشية الزاد بقوله: "وما ندري كيف يكون هذا الإسناد جيدًا، وفيه عبد العزيز بن عمران؟ (22)".
تنبيه
قال الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله- في تعليقه على (الروض الأُنف) عند حديث السهيلي عن قصة قتادة الآنفة في ردّ عينه، قال ما نصه: "والله يختص برحمته من يشاء ولا أحد يُبرئ أحدًا. وتدبّر قوله سبحانه فيما يقصّ عن خليله إبراهيم {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 80]، وتدبرّ كل آيات القرآن التي ذكر الله فيها آياته التي منّ بها على عيسى تجد فيها النص المؤكد على أنها بإذن الله وحده) اهـ (حاشية الروض الأنف 6/ 34).
وكان الأليق به -رحمه الله- أن يستشهد ببعض ما صحّ في هذا الباب، كقصة علي، وابن عتيك وسلمة -رضي الله عنهم، ولا شك أنه بإذن الله، لأن كلامه (في تعليقه على الروض الأنف) يوهم نفي هذه الآيات، للرسول وقد سلك الشيخ الوكيل -رحمه الله وعفا عنه- مسلكًا عقلانيًا أحيانًا في ردّ بعض الروايات الصحيحة في السيرة، وحاشا أن نتّهم الشيخ بأنه من أصحاب المنهج المعتزلي العقلاني، كيف؟ وهو ممّن تولى رئاسة جماعة أنصار السنة في مصر، وقد أحسن -رحمه الله- وجزاه خيرًا في تعقبه على السُّهيلي في مخالفته -أحيانا- لمذهب أهل السنة والجماعة.
ومعلوم أن الشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله- نشأ صوفيًا مصدقًا بما يسميه الخرافيون بالكرامات عن شيوخهم، ثم فتح الله عليه وهداه إلى مذهب أهل السنة، وصنف بعدها كتابه القيّم (هذه هي الصوفية) ويبدو أن نشأته في وسط صوفي معطّل للعقل، ثم تحوله -بحمد الله- عن ذلك جعلته يغلو أحيانًا -كردة فعل، والله أعلم- في تغليب العقل على النقل، أذكر ذلك عذرًا ألتمسه للشيخ عبد الرحمن الوكيل -رحمه الله.
(*) السّية: المنعطف من طرفي القوس.
(1) الروض الأنف (5/ 445).
(2) تاريخ الإِسلام، المغازي، ص 194.
(3) المستدرك 3/ 334 رقم (5281).
(4) دلائل النبوة (3/ 99 - 100).
(5) تقريب التهذيب (2/ 352).
(6) تقريب التهذيب (2/ 62).
(7) دلائل النبوة (3/ 1031)
(8) مجمع الزوائد (6/ 113) و (8/ 298).
(9) بداية السول، للعز بن عبد السلام، حاشية ص 42.
(10) الاستيعاب (3/ 238).
(11) دلائل النبوة للأصبهاني (3/ 1031).
(12) كتاب المغازي، باب قتل أبي افع (7/ 340 - 341 فتح).
(13) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (7/ 476 فتح).
(14) كتاب الفضائل، فضل علي - رضي الله عنه - (15/ 176 نووى)
(15) كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (7/ 475 فتح).
(16) المستدرك (23/ 258).
(17) دلائل النبوة (3/ 100).
(18) مجمع الزوائد (6/ 82).
(19) انظر التهذيب (6/ 351).
(20) (1/ 511).
(21) البداية والنهاية (3/ 291).
(22) زاد المعاد (3/ 187).
التعليقات
إرسال تعليقك