التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
يعرض المقال تتبع سياسة بناء المدن في العصر الأموي من خلال تاريخ أشهر المدن الأموية، مثل: القيروان وتونس وواسط والرملة والرصافة وحلوان
لقد اهتم المسلمون ببناء المدن خارج الجزيرة العربية منذ الفتح الإسلامي في عهود الخلفاء الراشدين. فقد بنوا مدينة البصرة (14هـ= 635م) ومدينة الكوفة (17هـ= 638م) في العراق. وبنوا مدينة الفُسْطاط (21هـ=641م) في مصر. وأصبحت مراكز استيطان جديدة يقيم فيها الوالي وجنده وغدت مراكز حضارية مرموقة. واستمرت الحال كذلك في العصر الأموي، فأخذ الخلفاء والولاة يبنون مدنًا جديدة كلما اضطرتهم الحاجة إلى ذلك. ومن أشهر المدن التي أنشئت في العصر الأموي:
أولًا: مدينة القيروان
كان أول عمل قام به عقبة بن نافع الفهري بعد اختياره واليًا من قبل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه على بلاد المغرب (50ه= 670م) أن شرع في بناء وتأسيس قاعدة ثابتة يقيم فيها جند المسلمين بصورة دائمة. وينطلقون منها لنشر الإسلام في تلك البقاع بدل عودتهم بين الفينة والأخرى إما إلى الفسطاط أو إلى برقة. وتشير المصادر أن عقبة -وهو صاحب خبرة طويلة في علاقاته مع البربر وشؤونهم- شعر بالحاجة الماسة لإقامة مثل هذه القاعدة للإسهام في نشر الإسلام بين القبائل البربرية، ذلك أن "أهل إفريقية كانوا إذا دخل إليهم أمير أطاعوا وأظهر بعضهم الإسلام, فإذا عاد الأمير عنهم, نكثوا وارتد من أسلم منهم".
أما عن موقع مدينة القيروان. فقد اختاره عقبة بعيدًا عن البحر حتى يكون في مأمن من هجمات البيزنطيين البحرية المفاجئة على أنه لم يتوغل في اختياره للموقع كثيرًا نحو الداخل "خشية البربر"، كما أن عقبة فضَّله قريبًا من مناطق الرعي الخصبة والتي يمكن استغلالها في تنمية الزراعة والثروة الحيوانية. وتشير المصادر إلى أن مكان القيروان "كان واديًا كثير الشجر, كثير القطف تأوي إليه الوحوش والسباع والهوام" مما يدل على خصب المنطقة.
ويستدل من استنتاجات الباحثين أن عقبة "قبل أن يبدأ البناء رأى أن ينظف المكان مما فيه من الحشائش والأشواك فأطلق فيه النار". هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فإن الحيوانات المفترسة والحشرات, التي كانت تملأ المكان, ما أن أحسَّت بلهيب النار حتى فزعت هاربة من الموضع.
ما أن انتهى عقبة من بناء مدينة القيروان (سنة 55هـ= 674م) حتى بدأت تصبح مركزًا حضاريًا لنشر الإسلام, ومركزًا إداريًا لجند المسلمين وأصبحت في تكاملها تضاهي البصرة والكوفة في العراق, والفسطاط في مصر. ويصف ابن الأثير مدى الأثر الذي خلَّفه تأسيس مثل تلك القاعدة بالآتي: "ودخل كثير من البربر في الإسلام, واتسعت خطة المسلمين, وقوي جنان من هناك من الجنود بمدينة القيروان, وأمنوا وأطمأنوا على المقام فثبت الإسلام فيها".
ولعل فيما أورده أحد الباحثين التونسيين يفسر ما أرتآه ابن الأثير, فهو يقول: "أما المدينة فقد تدرجت في التوسع وامتدت أطرافها, وقد اعتنى كبار الولاة الأمويين بالزيادة في معالمها, وفي طليعتهم حسان بن النعمان, فإنه جدد بناء الجامع بما هو أحسن وأجمل مما كان عليه بادي ذي بدء, ونصب إلى جانب دار الإمارة مصالح الدواوين يعني ديوان الجند, وديوان الخراج وديوان الرسائل, وما إلى ذلك من المنشآت الضرورية لتسيير دولاب الحكومة وبذلك أخذت القيروان صبغة رسمية".
ثم جاء موسى بن نصير "فزاد في منشآتها الحسان وأوسع نطاقها حتى صارت في أقرب زمان دار العروبة في المغرب, ومن محدثاته، "دار الضرب" لسك النقود. وأما السكان فإنهم تسابقوا إلى إنشاء دورهم على شكل منازل الفسطاط بمصر من حيث الوضع والطراز, وبنى الموسرون إلى جانبها المساجد الصغيرة والكتاتيب, حتى إذا تكاثرت البناءات, وتلاصقت وكونت حيًّا سمّوه باسم العشيرة التي تقطنه كرحبة القرشيين ورحبة الأنصار وحارة يَحْصُب وحارة بني نافذ, وربما استعاروا للحيِّ اسم أحد الأعيان من العرب النازحين كدرب المغيرة, ودرب أزهر ودرب أم أيوب وهلم جرّا ، بحيث لم يمر نصف قرن على تأسيس القيروان حتى أصبحت أم القرى المغربية تنبعث منها أشعة الإيمان والعرفان وصارت العاصمة الإفريقية التي تنتهي إليها المسالك, وتتفرق منها الطرقات إلى المشرق والمغرب".
مدينة واسط
كان لإقليم العراق واليان: أحدهما كان يقيم في الكوفة، والآخر يقيم في البصرة، وكانت إدارة كل منهما مستقلة عن الأخرى. وظل الأمر كذلك حتى جمع معاوية الولايتين تحت إمرة والٍ واحد وعيّن عليها زياد بن أبي سفيان (زياد بن أبيه). فأصبح زياد يعرف بـ "والي العراقين" أو "والي المِصْرَيْن" وأخذ زياد يقيم في الكوفة ستة أشهر (الربيع والصيف) وفي البصرة ستة أشهر (الخريف والشتاء). وظل الأمر كذلك حتى قدم الحجاج بن يوسف الثقفي واليًا على العراق (75هـ= 694م) وأخذ يتنقل بين المِصْرَين كسابقيه, ولكنه, فيما يبدو, قد تعب من هذا التنقل, وقال في نفسه: "أَتَّخِذ مدينة بين المِصْرَين أكون بالقرب منهما. أخاف إن حدث في إحدى المصْرَين حدث وأنا في المِصْر الآخر". وقام بنفسه يفتش عن أنسب الأماكن لمشروعه. وحدث أن مرّ بأرض تعرف بواسط القصب فأعجبته, فقال: هذا واسط المِصْرَين: وكتب إلى الخليفة عبد الملك بن مروان يستأذنه في بناء مدينة بين المصرين, فأذن له, واشترى الحجاج الأرض من صاحبها بحوالي عشرة آلاف درهم.
شرع الحجاج في بناء مدينة واسط سنة (83 أو 84هـ =702 أو 703م) فبنى المسجد الجامع وقصر الإمارة الذي تعلوه قبة خضراء يراها القادم من مسافات بعيدة ولذلك عرف بقصر الخضراء. وجعل على مقربة من القصر سوقًا عامرة. وكانت أحياء المدينة تقع على ضفتي نهر دجلة ويربط بينها جسر عائم على السفن. وكان يحيط بالمدينة سوران خارجي وداخلي بينهما فَصيل. وربما كان يسكن هذا الفَصيل الجنود والحرس للدفاع عن المدينة. وكان السور الخارجي مدعمًا بالأبراج وله ستة أبواب. (تغلق ليلًا لدواع أمنية ) كما كان يحيط بالمدينة خندق أمر الحجاج بحفره زيادة في تحصينها. وما أن فرغ من بنائها عام 86هـ/705م حتى فاقت كلفتها 43 مليون درهم.
ونقل الحجاج إلى مدينة واسط جميع المؤسسات الحكومية التي كانت في الكوفة والبصرة بموظفيها (بما فيهم الجند البخارية الذين كانوا يعملون في حراسة هذه المؤسسات). كما أسكنها جند أهل الشام الذين ساندوا الحجاج في توطيد الحكم الأموي في العراق. ونقل إليها جماعة من وجوه أهل الكوفة ووجوه أهل البصرة. وظلت مدينة واسط مركزًا إداريًا لإقليم العراق وتوابعه. ولم يضعف دورها السياسي إلا بعد أن جاء العباسيون وبنو مدينة بغداد (145هـ= 762م) واتخذوها عاصمة لدولتهم.
ومن ناحية أخرى, فإذا كانت مدينة واسط, قد بنيت لجماعات مختارة, أرادهم الحجاج قريبين منه, فإنه أقام مركزًا استيطانيًا في كَسْكَر (على الجهة الأخرى المقابلة لمدينة واسط من نهر دجلة) لجماعات من الزُّط الذين كان محمد بن القاسم الثقفي قد بعث بهم ومعهم أعداد وفيرة من الجواميس من بلاد السند، فعمل هؤلاء على استصلاح الأراضي الزراعية في تلك المنطقة.
وفي العراق, قام الحجَّاج، أيضًا ببناء مدينة النيل على نهر النيل الذي حفره ويستمد ماءه من نهر الفرات ويصب في نهر دجلة. (وأطلالها تقع اليوم بالقرب من مدينة الحِلّة).
مدينة الرَّملة في فلسطين
وهي المدينة التي بناها سليمان بن عبد الملك إبان فترة ولايته على فلسطين لأخيه الوليد بن عبد الملك. وكان أول ما بني قصره، ومن ثم بنى الناس حوله. واحتفر لأهل المدينة قناتهم التي تدعى بَرَدَة. واحتفر لهم آبارًا لتوفير المياه. ثم وضع مخططًا للمسجد وشرع في بنائه لكن مخططه كان فيما يبدو عظيم الاتساع بحيث لم يستطع أنه يتمّه في أثناء ولايته أو خلافته. ولم يتم بناء المسجد إلاّ في فترة خلافة عمر بن عبد العزيز ولكن بعد أن أنقص من مخططه, وقال مبررًا ذلك : "أهل الرملة يكتفون بهذا المقدار الذي اقتصَرْت بهم عليه". ولعل عمر أقدم على هذه الخطوة كإجراء تقشفي أو لما رآه من قلة أعداد القاطنين في هذه المدينة الحديثة إذا ما قورنت بكثافة سكان المدن الأخرى القريبة منها كالقدس أو اللّد.
مدينة الرصافة في سوريا
بناها الخليفة هشام بن عبد الملك واتخذها دار إقامة له أغلب فترة خلافته (105 - 125هـ = 724 - 743م). وتمتاز بطيب هوائها وخصوبة تربتها وقربها من نهر الفرات. ولذلك وجد فيها هشام ملتجأ يهرب إليه من الطاعون الذي تفشى في دمشق. فنزلها وابتنى له فيها قصرين. وقد أصبحت المدينة مركزًا سياسيًا وثقافيًا هامًا في تلك الفترة.
مدينة حلْوان في مصر
بناها عبد العزيز بن مروان, والي مصر لأخيه عبد الملك ، واتخذها مقرًا لإقامته، وذلك لطيب هوائها ونقائه. يقول الكندي: "ووقع الطاعون بمصر ( الفسطاط) في سنة 70هـ = 689م فخرج عبد العزيز منها إلى الشرقية مُتَبَدِّيًا, فنزل حلْوان فأعجبته, فاتخذها وسكنها, وجعل بها الحرس والأعوان والشرط. وبنى عبد العزيز بحلوان الدور والمساجد وغيرها, أحسن عمارة وأحكمها, وغرس كرمها ونخلها". ومع ذلك، فإن الولاة الذين جاؤوا إلى مصر، بعد عبد العزيز بن مروان، قد أعادوا للفسطاط مكانتها كمركز للولاية.
مدينة تونس
بناها حسان بن النعمان الغساني, والي بلاد المغرب (75 - 85هـ = 694 - 704م) في فترة خلافة عبد الملك بن مروان, على أنقاض مدينة رومانية قديمة. وبنى فيها دارًا لصناعة السفن, يعمل فيها حوالي ألف من الحرفيين الأقباط الماهرين بصناعة السفن, استقدمهم حسان من مصر لهذا الغرض. وقد ساهم بناء هذه المدينة, والسفن التي تم تصنيعها فيها, في استمرارية مجابهة البيزنطيين في البحر وكذلك في الاندفاع نحو بلاد المغرب.
في بلاد السند
أما في بلاد السند، فقد بنى الحكم بن عوانة الكلبي, أثناء ولايته (113 - 121هـ= 731 - 738م) مدينة المحفوظة. وبنى عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي ( 121 - 125هـ = 738 - 742م) , مدينة المنصورة، وهما قريبتان من مدينتي برهمان آباد وحيدر آباد.
التعليقات
إرسال تعليقك