التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
مبايعة عمر بن الخطاب بالخلافة مقال لسهيل طقوش يتناول أحداث مبايعة عمر بالخلافة فيحلل أحداث مرض أبو بكر وترشيح أبو بكر لعمر وانتهاء بالبيعة الخاصة
مرض أبي بكر
عندما مرض أبو بكرٍ رضي الله عنه وشعر بدنوِّ أجله فكَّر في أمر خلافته، وخشي إن هو تُوفِّي ولم يعهد بالخلافة إلى أحدٍ أن يتجدَّد الخلاف بين المسلمين كما حدث في سقيفة بني ساعدة، ولئن اختلفوا هذه المرَّة فيكون اختلافهم أشدَّ خطرًا، وربما أدَّى إلى الفتنة، وقد تشمل كافَّة العرب؛ وذلك بفعل اتِّساع الدائرة؛ إذ لم يعد الأمر محصورًا بين المهاجرين والأنصار.
أمَّا إذا استخلف وجمع كلمة المسلمين على من يستخلفه فقد يتَّقي ما يخشى، ويكفل لسياسة الفتوح الاستمراريَّة والنجاح، فرأى ببعد نظره أن يحتاط لهذا الأمر تلافيًا للأخطار، وقد دفعته الظروف إلى العمل بأسلوبٍ آخر يختلف عن الأسلوب الذي تولَّى بموجبه شئون الأمَّة من حيث الشكل، ويتَّفق معه من حيث الروح, وهكذا نتعرَّف على صورةٍ جديدةٍ من صور البيعة المؤسَّسة على الشورى وعلى اجتهاد أبي بكرٍ رضي الله عنه وبُعد نظره.
ترشيح أبو بكر لعمر بن الخطاب للخلافة
راح أبو بكر يستعرض سِيَرَ أصحابه ومواقفهم ليختار من بينهم رجلًا يكون شديدًا في غير عنفٍ وليِّنًا في غير ضعف، فوجد أنَّ من توفَّرت فيه هذه الصفات من أصحابه أحد رجلين، عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، إلَّا أنَّ الأوَّل ربما يُريد الأمر فيرى في طريقه عقبةً فيدور إليه، والثاني يرى الاستقامة لا يُبالي بالعقبة تقوم بين يديه، فهو بهذا إلى الشدَّة أميل منه إلى اللين.
أدرك بخبرته وتجربته أنَّ عبء الخلافة الثقيل لا يستطيع أن يتحمَّله شخصٌ آخر سوى عمر رضي الله عنه، ففضَّله على غيره بفعل مرونته السياسيَّة، كما أنَّ الصفات الأخرى التي اصطبغ بها ومالت به إلى إيثار الخير العام على نفسه وأهله وذويه، ثُمَّ إنَّ هذا التفكير الذي انتهى إلى تطابقٍ في المواقف من قضيَّة الفتوح مع الخليفة الراشدي الأوَّل كان دافعًا آخر لأبي بكرٍ رضي الله عنه على التصميم على اختيار عمر رضي الله عنه خلفًا له، أمَّا القول بأنَّ هذا الاختيار جاء ردًّا على مساندته له في سقيفة بني ساعدة فهو بعيد الاحتمال، بفعل أنَّ أحدًا من الصحابة لم يحتج على اختيار عمر رضي الله عنه، يُضاف إلى ذلك أنَّ عمر رضي الله عنه كان لصيقًا بأبي بكرٍ رضي الله عنه أثناء خلافته، وأتاحت له هذه الميزة أن يطَّلع على دقائق الأمور أثناء تسيير دفَّة الحكم، فاكتسب مزيدًا من الخبرة في الشأن العام، ربما حُرم منها كثيرٌ من الصحابة، فإذا هو تسلَّم الحكم فهو أهلٌ له.
البيعة العامَّة والبيعة الخاصَّة
وراح أبو بكرٍ رضي الله عنه -بعد أن قرَّر اختيار عمر رضي الله عنه لخلافته- يستشير كبار الصحابة من أهل الحلِّ والعقد ليقف على توجُّهاتهم وآرائهم فلم يجد معارضةً لديهم، بل ثناءً على هذا الاختيار، باستثناء ما ظهر من تردُّدٍ عند بعضهم، مثل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه الذي خشي أن يُفرِّق جماعة المسلمين بفعل غلظته وشدَّته، لكنَّ سرعان ما تلاشى[1]، ثم عرض قراره على الأمة، وخاطب المسلمين في المسجد فما تردَّد أحد وقالوا جميعًا: "سمعنا وأطعنا"[2].
الواقع أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه لجأ إلى هذا الأسلوب مضطرًا، وعلَّق خلافة عمر رضي الله عنه على رضا الناس، كما أنَّه لم يستخلف أحدًا من أبنائه أو أقربائه، وأكدَّ اجتهاده في هذا الاختيار بقوله: "فإن تروه عدل فيكم، فذلك ظني به ورجائي فيه، وإن بدَّل وغيَّر فالخير أردت، ولا أعلم الغيب، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون"[3]. وبعد أن اطمأنَّ إلى ضمان موافقة المسلمين، دعا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأملى عليه أمر الاستخلاف ليكتبه[4].
هكذا أضاف أبو بكرٍ رضي الله عنه إلى معجم الفكر السياسي الإسلامي مصطلحًا جديدًا هو الاستخلاف أو العهد، وهو شكلٌ من أشكال الترشيح أو البيعة الخاصَّة أو البيعة الصغرى، ولا بُدَّ من البيعة العامَّة أو البيعة الكبرى بعد ذلك، وقد تحقَّقت في المسجد.
دعا أبو بكرٍ عمرَ رضي الله عنهما فعَهِد إليه وأوصاه باستكمال الفتوح، وذكَّره بما يجب على وليِّ أمر المسلمين من تحرِّي الحقِّ، وبأنَّ الله ذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راهبًا، فلمَّا فرغ من وصيَّته خرج عمر رضي الله عنه من عنده وهو يُفكِّر في هذا الأمر الذي أُلقي على عاتقه، فودَّ لو أنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه بُرِئ من مرضه ليُواجه موقفًا دقيقًا[5].
دُعي عمر بن الخطاب رضي الله عنه خليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه أو خليفة خليفة رسول الله، ولما آنس المسلمون في اللقب طولًا، سمَّوه الخليفة على إطلاقه، وأمسى هذا لقبًا لرئيس دولة الإسلام، ثُمَّ أضافوا إلى عمر رضي الله عنه لقبًا جديدًا يتماشى مع حركة الفتوح هو لقب أمير المؤمنين، وهو أوَّل من تسمَّى به.
المصدر: كتاب تاريخ الخلفاء الراشدين الفتوحات والإنجازات السياسية.
ـــــــــــــــــ
[1] البلاذري: أنساب الأشراف ج10، ص304، 305، والطبري: ج3 ص428- 433.
[2] الطبري: المصدر نفسه: ص428.
[3] ابن قتيبة: الإمامة والسياسة: ج1 ص19.
[4] الطبري: ج3 ص429.
[5] انظر نص الوصية عند ابن الأثير في تاريخه: ج2 ص267، 268.
التعليقات
إرسال تعليقك