الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
الرايات والأعلام في عهد الخلافة الأموية لها ملامح متميزة عن بقية عصور التاريخ الإسلامي، فما تلك السمات والملامح؟ وما ألوانها وأشكالها التي تميزت بها؟
تطور مفهوم الراية في التاريخ العسكري الإسلامي
إذا كانت الألوان في صدر الإسلام لا تُمثِّل شعارًا أو رمزًا قائمًا بذاته، فإنَّ ذلك لا يعني البتَّة أنَّها ستظل كذلك؛ فاستقراء التاريخ الإسلامي يُؤكِّد بأن مفهومها سيتطوَّر ويتَّسع مدلوله تبعًا لتعدُّد الدول واختلاف نظرتها إلى الألوان؛ فلكلِّ واحدةٍ منها فلسفتها الخاصة في اختيار ما يُناسبها من رموز وشعارات.
يقول ابن خلدون في شأن الرايات وأهميَّتها العسكرية: "... وأمَّا تكثير الرايات وتلوينها وإطالتها، فالقصد به التهويل لا أكثر، وبما يحدث في النفوس من التهويل زيادة في الإقدام، وأحوال النفوس وتلوُّناتها غريبة، ثم إنَّ الملوك والدول يختلفون في اتِّخاذ هذه الشارات؛ فمنهم مكثر ومنهم مقلل بحسب اتِّساع الدولة وعظمتها، وأمَّا الرايات فإنَّها شعارًا لحروبٍ من عهد الخليقة".
وانطلاقًا من تفسير ابن خلدون لمفهوم الرايات عند الأمويِّين والعباسيِّين والفاطميِّين وغيرهم من دول المغرب الإسلامي، التي تعرَّفنا على أشكالها وخصائصها بما توفَّر لدينا من معلومات متفرِّقة في المصادر التاريخيَّة والأثريَّة:
راية الأمويِّين:
فيما يخصُّ راية الأمويِّين الرسميَّة فالمؤرِّخون مختلفون حولها، لا سيَّما فيما يتعلَّق بلونها وشكلها، ولم يعر المؤرِّخون مسألة الرايات أيَّ اهتمامٍ يُذكر، باستثناء البعض منهم، مثل القلقشندي الذي أشار في كتابه (مآثر الأناقة) الجزء الثاني إلى أنَّ بني أميَّة: "كان شعارهم الخضرة، حكى صاحب حماة عن الملك السعيد صاحب اليمن المقدم ذكره أنَّه حين ادَّعى الخلافة وأنَّه من بني أميَّة لبس الخضرة، وهذا صريحٌ في أن شعارهم الخضرة".
وهناك من يرى بأنَّ ألوية بني أمية كانت بيضاء، وممَّا لاشَكَّ فيه أنَّ لون رايتهم لابُدَّ وأنَّه كان يُخالف السواد "شعار العباسيِّين"، ومن المحتمل جدًّا -وهذا بناء على الإشارات المقتضية السابقة- أنَّ لون الراية أو اللواء الأمويِّين كانا من كتَّان ذي اللون الأخضر أو الأبيض، هو شعارهم الرئيس[1].
وعلى الرغم من أهميَّة ما أورده القلقشندي بخصوص هذا الموضوع، فإنَّنا نميل إلى أنَّ البياض هو شعار الأمويِّين، بيد أنَّنا مازلنا نجهل الشيء الكثير عن رايتهم من حيث المادَّة التي صُنعت منها أو طولها ونوع العبارات الدينيَّة والآيات القرآنيَّة التي حُليت بها، ومن المحتمل جدًّا -وهذا بالقياس مع ما كتبه المسلمون على رايتهم من آيات- أنَّهم كتبوا عليها شهادة التوحيد (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، وكذلك آية {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ}.
وقد استمرَّ اللون الأبيض فيما بعد شعار الموحِّدين في المغرب والأندلس الذين أولوه عنايةً خاصَّةً في الحرب والسلم.
__________________
المصدر: صالح بن قربة: الرايات والأعلام في التاريخ العسكري الإسلامي، مجلة دعوة الحق - وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية، العدد (370)، أكتوبر - نوفمبر - ديسمبر، 2002م.
[1] القلقشندي: مآثر الأناقة في معالم الخلافة، (تحقيق عبد الستار أحمد فراج)، عالم الكتب - بيروت، 1964م، 2/236. جورجي زيدان تاريخ التمدن الإسلامي، 1/88.
التعليقات
إرسال تعليقك