التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
لقوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشدَّته ألقى الله عليه هيبة شعر بها المسلم وغير المسلم.
لقوة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وشدَّته ألقى الله عليه هيبة شعر بها المسلم وغير المسلم.
المهابة من عند الله:
روى مسلم عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللهِ قَالَتْ: ".. وَكَانَ رسول الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ الْمَهَابَةُ"[1]، هذه هيبة تمنع الناس من ارتكاب المنكر في حضرته، بل قد تمنعهم من المزاح، أو إتيان المكروه، وأحيانًا من بعض الأمور الحلال.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدِّر هيبة عمر، ويحترمها:
وعَنْ عائشة رضي الله عنها قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِخَزِيرَةٍ قَدْ طَبَخْتُهَا لَهُ، فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَهَا-: كُلِي، فَأَبَتْ، فَقُلْتُ: لَتَأكُلِنَّ، أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ، فَأَبَتْ، فَوَضَعْتُ يَدِي فِي الْخَزِيرَةِ، فَطَلَيْتُ وَجْهَهَا"فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَوَضَعَ بِيَدِهِ لَهَا وَقَالَ لَهَا: "الْطَخِي وَجْهَهَا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا"، فَمَرَّ عُمَرُ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، يَا عَبْدَ اللهِ،"فَظَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَدْخُلُ، فَقَالَ: قُومَا فَاغْسِلَا وُجُوهَكُمَا"، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَا زِلْتُ أَهَابُ عُمَرَ، لِهَيْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم[2].
النساء يهبن عمر أكثر من هيبتهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع كون رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر هيبة بلا جدال.
روى مسلم في صحيحه: يقول عمرو بن العاص: "وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ"[3].
وروى البخاري عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَسْأَلْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ (يَطْلُبْنَ النَّفَقَةَ)، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ فَقَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، لَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ تَبَادَرْنَ الحِجَابَ» فَقَالَ: أَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِنَّ، فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلَمْ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقُلْنَ: إِنَّكَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيهٍ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»[4].[5].
هيبة المسلمين منه عند فعل المكروهات:
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا، فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ (ترقص) وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا فَقَالَ: "يَا عَائِشَةُ، تَعَالَيْ فَانْظُرِي"، فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَقَالَ لِي: "أَمَا شَبِعْتِ؟ أَمَا شَبِعْتِ؟"، قَالَتْ: فَجَعَلْتُ أَقُولُ: لَا، لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ، إِذْ طَلَعَ عُمَرُ رضي الله عنه فَانْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا، فَقَالَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ"، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ[6].[7].
وَعَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ إِنْ رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْكَ بِالدُّفِّ وَأَتَغَنَّى، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي، وَإِلَّا فلَا"، فَجَعَلَتْ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ رضي الله عنه فَأَلْقَتْ الدُّفَّ تَحْتَ اسْتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ، إِنِّي كُنْتُ جَالِسًا وَهِيَ تَضْرِبُ، فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عَلِيٌّ وَهِيَ تَضْرِبُ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ وَهِيَ تَضْرِبُ، فَلَمَّا دَخَلْتَ أَنْتَ يَا عُمَرُ أَلْقَتْ الدُّفَّ"![8].
كان ابن عباس يهابه في مجرَّد السؤال:
روى البخاري عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ عَنْ آيَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ، حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا رَجَعْنَا وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ، قَالَ: فَوَقَفْتُ لَهُ حَتَّى فَرَغَ ثُمَّ سِرْتُ مَعَهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ مَنِ اللَّتَانِ تَظَاهَرَتَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْوَاجِهِ؟ فَقَالَ: تِلْكَ حَفْصَةُ وَعَائِشَةُ، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ هَذَا مُنْذُ سَنَةٍ، فَمَا أَسْتَطِيعُ هَيْبَةً لَكَ، قَالَ: فَلاَ تَفْعَلْ مَا ظَنَنْتَ أَنَّ عِنْدِي مِنْ عِلْمٍ فَاسْأَلْنِي، فَإِنْ كَانَ لِي عِلْمٌ خَبَّرْتُكَ بِهِ..[9].
هو لم يكن يريد هذه الهيبة، ولا يريد للناس أن تخشاه:
عن ابن سعد عن مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: اجْتَمَعَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدٌ. وَكَانَ أَجْرَأُهُمْ عَلَى عُمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ. فَقَالُوا: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَوْ كَلَّمْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ يَأْتِي الرَّجُلُ طَالِبُ الْحَاجَةِ فَتَمْنَعُهُ هَيْبَتُكَ أَنْ يُكَلِّمَكَ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ وَلَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَكَلَّمَهُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِنْ لِلنَّاسِ فَإِنَّهُ يَقْدَمُ الْقَادِمُ فَتَمْنَعُهُ هَيْبَتُكَ أَنْ يُكَلِّمَكَ فِي حَاجَتِهِ حَتَّى يَرْجِعَ وَلَمْ يُكَلِّمْكَ. قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ أَمَرُوكَ بِهَذَا؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَاللَّهِ لَقَدْ لِنْتُ لِلنَّاسِ حَتَّى خَشِيتُ اللَّهَ فِي اللِّينِ ثُمَّ اشْتَدَدْتُ عَلَيْهِمْ حَتَّى خَشِيتُ اللَّهَ فِي الشِّدَّةِ. فَأَيْنَ الْمَخْرَجُ؟ فَقَامَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَبْكِي يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ بِيَدِهِ: أُفٍّ لَهُمْ بَعْدَكَ. أُفٍّ لَهُمْ بَعْدَكَ![10].
مصنف ابن أبي شيبة عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ عُمَرُ، أَنْ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي، وَإِنِّي شَدِيدٌ فَلَيِّنِي، وَإِنِّي بَخِيلٌ فَسَخِّنِي»[11].[12].
[1] مسلم: كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين (1000).
[2] مسند أبو يعلي (4476)، قال حسين سليم أسد: إسناده حسن.
[3] مسلم: كتاب الإيمان: باب كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج (121).
[4] البخاري: كتاب الأدب، باب التبسم والضحك (5735).
[5] الشرح: فقلن إنك أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو يقتضي الشركة في أصل الفعل ويعارضه قوله تعالى {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159] فإنه يقتضي أنه لم يكن فظا ولا غليظا والجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يواجه أحدا بما يكره إلا في حق من حقوق الله وكان عمر رضي الله عنه يبالغ في الزجر عن المكروهات مطلقا وطلب المندوبات فلهذا قال له النسوة ذلك].
[6] الترمذي: كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3691) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
[7] (كَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ اللهوِ وَاللَّعِبِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَإِلَّا كَيْفَ رَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَرَاهُ عَائِشَةَ؟)
[8] الترمذي كتاب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب في مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3690)، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة، وفي الباب عن عمر وسعد بن أبي وقاص وعائشة، قال الشيخ الألباني: صحيح
[9] البخاري (4629)
[10] ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت
الطبعة الأولى،1410هـ= 1990م، 3/ 218.
[11] ابن أبي شيبة: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409هـ، 6/ 65.
[12] لمشاهدة الحلقة من على اليوتيوب اضغط هنا: هيبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
التعليقات
إرسال تعليقك