التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
من أهمِّ مصادر دخل الدولة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عشور التجارة، والغنائم، والفيء، فماذا تعرف عن هذه المصادر؟
من أهمِّ مصادر دخل الدولة في عهد عمر بن الخطاب، الزكاة، والجزية، وتكلمنا عنهم في مقال سابق، وفي هذا المقال نتناول ثلاثة مصادر أخرى، وهي عشور التجارة، والغنائم، والفيء، ثم نفتح باب الحديث عن مصدر رابع مهمٍّ جدًّا، ولكن نفرد له مقال قادم، وهو مصدر الخراج، أو الضريبة المضروبة على الأرض المفتوحة.
أولًا: عشور التجارة:
وهي الأموال التي يتم تحصيلها على التجارة التي تمر عبر حدود الدولة الإسلامية سواء داخلة أو خارجة من أراضي الدولة (الرسوم الجمركية)، ولم يكن لهذه الضريبة وجود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، فلما اتسعت الدولة في عهد عمر رضي الله عنه، صار التبادل التجاري مع الدول المجاورة، ضرورة تمليها المصلحة العامة، ورأى عمر رضي الله عنه أن يفرض تلك الضريبة على الواردين إلى دار الإسلام.
عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَخِي محمد بن سيرِين قَالَ: جَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَلَى صَدَقَةِ الْبَصْرَةِ، فَقَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَقُلْتُ: لَا أَعْمَلُ ذَلِكَ حَتَّى تَكْتُبَ لِي عَهْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْكَ، فَكَتَبَ لِي أَنْ خُذْ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ رُبْعَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا اخْتَلَفُوا لِلتِّجَارَةِ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ[1].
وقد عمر اختار هذه الأرقام للمعاملة بالمثل: عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ، أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمِ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ بِهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى عُمَرَ فَرَضِيَ وَأَجَازَهُ وَقَالَ لِعُمَرَ: كَمْ تَأْمُرُنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْ تُجَّارِ أَهْلِ الْحَرْبِ؟ قَالَ: «كَمْ يَأْخُذُونَ مِنْكُمْ إِذَا أَتَيْتُمْ بِلَادَهُمْ؟» قَالُوا: الْعُشْرَ قَالَ: «فَكَذَلِكَ فَخُذُوا مِنْهُمْ»[2].
هناك رواية توضِّح دخل الدولة من إحدى الولايات الإسلامية، وهي ليست بالكبيرة: فلم يكن بها فتوح في عهد عمر، فليس فيها غنائم ولا فيء، فأتيتُ بهذه الرواية لتوضيح دخل الدولة من غير الحرب.
عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه قالَ: قَدِمْتُ من الْبَحْرين بخسمائة أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخطاب رضي الله عنه مُمْسِيًا فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ اقْبِضْ هَذَا الْمَالَ. قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قُلْتُ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: وَتَدْرِي كَمْ خَمْسُمِائَةِ أَلْفٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ مِائَةُ أَلْفٍ، وَمِائَةُ أَلْفٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ. قَالَ: أَنْتَ نَاعِسٌ، اذْهَبْ فَبِتِ اللَّيْلَةَ حَتَّى تُصْبِحَ؛ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: اقْبِضْ مِنِّي هَذَا الْمَالَ. قَالَ: وَكَمْ هُوَ؟ قُلْتُ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. قَالَ: أَمِنْ طِيبٍ هُوَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا أَعْلَمُ إِلا ذَاكَ؛ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ مَالٌ كَثِيرٌ فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نُكِيلَ لَكُمْ كِلْنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعُدَّ لَكُمْ عَدَدْنَا، وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَزِنَ لَكُمْ وَزَنَّا لَكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمنِينَ دَوِّنْ للنَّاس دَوَاوِينَ يُعْطَوْنَ عَلَيْهَا. فَاشْتَهَى عُمَرُ رضي الله عنه ذَلِك[3]!
هناك ملاحظة وهي أنَّ القوة الشرائية للفضة تناقصت كثيرًا في زماننا (أقل من العُشر)، فالصواب لكي ندرك القيمة ينبغي التحويل إلى الذهب، والدينار الذهب كان يساوي اثني عشر درهمًا، يعني نصف مليون درهم تساوي 41.7 ألف دينار، أي يعني أنَّ 41.7 × 4.25 جرام = 177 كيلو جرام ذهب، كيلو جرام ذهب = مليون جنيه، يعني خراج البحرين يساوي 177 مليون جنيه، يعني 9 مليون دولار (عام 2022م).
ثانيًا وثالثًا: الغنائم والفيء:
وتكون الغنائم من القتال، والفيء مكاسب للدولة بلا قتال، وقد بلغ سهم الفارس بجَلولاء مثل سهمه بالمدائن، واقتسم الناس فيءَ جَلولاء على ثلاثين ألف ألف، وكان الخُمس ستة آلاف ألف!
دخل الدولة من هذه المعركة:
(الخمس في معركة واحدة 6 مليون) والمليون درهم تساوي 83 ألف دينار ذهب تقريبًا، و6 مليون درهم توازي 500 ألف دينار ذهب، أي 2125 كيلو جرام ذهب، بما يعني 2125 × مليون جنيه = 2.125.000.000 جنيه (أكثر من 2 مليار جنيه) يعني حوالي 112 مليون دولار.
دخل الجنود في جلولاء: 24 مليون درهم؛ يعني لو كانوا 12 ألف جندي، فللواحد ألفا درهم، أي وهي توازي 200 دينار ذهب، أي 200 × 4.25 = 850 جرام، يعني 850 ألف جنيه، يعني حوالي 45 ألف دولار.
خزينة المال الرئيسة في المدائن: كانت تحوي أكثر من ثلاث مليارات دينار، يعني 3 مليار × 4.25 جرام = 12.75 مليار جرام، يعني 12.75 مليون كيلو ذهب يعني أكثر من 12 ألف طن ذهب.
رابعًا: الأرض المفتوحة:
هذه مسألة دقيقة في الفقه، وقد حدث خلاف بين الصحابة في عهد عمر على الكيفية التي يتمُّ بها التعامل مع هذه الأرض، فالأرض قسمان: صلح وعَنوة، فأما الصلح فهو: كل أرض فتحها المسلمون صلحًا، وصالحوا أهلها عليها لتكون لهم، ويؤدون خراجًا معلومًا كل سنة، فهذه الأرض ملك لأربابها، وهذا الخراج في حكم الجزية، فمتى أسلم أهل الأرض سقط الخراج عنهم، ولهم بيعها ورهنها وهبتها لأنها ملك لهم، وهذا القسم لا خلاف عليه آنذاك.
أما القسم الثاني: ما فتحه المسلمون عَنوة ـ أي بالسيف، رأى فريق من الصحابة أنه ينبغي تقسيم أربعة أخماسها على الفاتحين كنوع من الغنيمة، ويبقى الخمس للدولة، ورأى فريق آخر، ومنهم عمر، أن تُعامل كلُّها معاملة الفيء، فتكون ملكيَّتها للدولة، ويُضرب عليها خراج سنوي تأخذه الدولة، وتنفق منه على مصالحها.
ولا يسقط خراج هذه الأرض بإسلام أربابها ولا بانتقال إدارتها إلى مسلم، بل إذا أسلم أهلها أو انتقلت إلى مسلم يجتمع مع الخراج أيضًا عشر ما تخرج، زكاةً عليها، ولا يمنع أحدهما وجوب الآخر، وهو قول أكثر الفقهاء، وبذلك صار الخراج إذًا من مصادر الدولة الكبرى للمال[4].
[1] البيهقي (18545).
[2] ابن أبي شيبة: الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تحقيق: كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى، 1409ه، 2/ 417.
[3] أبو يوسف: الخراج، المكتبة الأزهرية للتراث، تحقيق: طه عبد الرءوف سعد، سعد حسن محمد، ص56.
[4] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا: عشور التجارة والغنائم والفيء في عهد عمر
التعليقات
إرسال تعليقك